كانت مريم أشرف طفلة قبطية، فى الثامنة من العمر. فى 20 أكتوبر، ذهبت مع أسرتها لزيارة كنيسة العذراء فى القاهرة، لحضور زفاف أحد أقاربها. كانت فى سعادة غامرة مع تسريحة شعرها الجديدة وفستانها الأبيض الذى اشترته لها والدتها من الأوكازيون.
كانت تقف فى الشارع خارج الكنيسة بصحبة ضيوف آخرين بانتظار وصول العروس وعريسها. بعدها أسرعت دراجة نارية، تقل رجلين فتحا النار بشكل عشوائى فقتلا مريم وثلاثة آخرين، وجرحوا العشرات من الضيوف. وفق تقرير طبى رسمى، اخترقت 8 رصاصات جسد مريم، فلفظت أنفاسها من جروح بالرصاص فى صدرها.
ورغم أن جماعة الإخوان المسلمين أصدرت بيانات تدين فيها حادثة القتل تلك، فإنها مجرد واحدة فقط ضمن سلسلة من الاعتداءات التى نفذها مصريون مرتبطون بالجماعة ضد المسيحيين الأقباط.
وفقًا لمسؤولين بالكنيسة القبطية، فقد وقعت اعتداءات على 73 كنيسة، إضافة إلى العشرات من المحلات والمنازل المملوكة لأقباط، منذ نهاية يونيو.
لقد تعرض الأقباط للاضطهاد بسبب انضمامهم إلى المظاهرات التى أدت إلى عزل الرئيس محمد مرسى فى مطلع يوليو. تملك أنصار مرسى الغضب لكون البابا تواضروس الثانى، بابا الأقباط، ساند خطة الجيش لإنهاء حكم الإخوان.
ليس الأقباط وحدهم هم من عانوا من العنف السياسى منذ الصيف الماضى، فالاعتداءات المستمرة من جانب أنصار مرسى ضد جنود وضباط الشرطة، تسببت فى سقوط المئات من القتلى. وقد بث التليفزيون المصرى تقريرًا يظهر اعتداء الإسلاميين على قسم للشرطة فى بلدة كرداسة فى 14 أغسطس بقذائف صاروخية، ما أدى إلى مقتل 15 من رجال الشرطة. قاموا بتعرية جثثهم وسحلهم فى الشوارع.
يواجه مرسى المحاكمة الآن عن دوره فى وفاة 11 شخصًا فى اشتباكات بين أنصاره ومعارضيه فى ديسمبر الماضى. وهذا ملائم، لأن رئاسته التى دامت 12 شهرًا شهدت انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان. لقد صعد السيد مرسى سلم الديمقراطية إلى السلطة فقط ليركل هذا السلم بعيدا من بعده، لكى لا يصل أحد آخر إليه فى هذا المكان. وضمن هذه العملية، أصبح ديكتاتورًا عنيفًا. فى يونيو، توصلت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان إلى أن 3462 شخصًا تعرضوا للاحتجاز التعسفى، بينما قتل 143 متظاهرًا، منذ تولى السيد مرسى السلطة، مقارنة بـ18 ألف شخص تعرضوا للاعتقال لأسباب سياسية على مدار 30 سنة من حكم الرئيس حسنى مبارك. فى أغسطس، وثق تقرير لمنظمة العفو الدولية التعذيب، بما فى ذلك الضرب المبرح والصعق الكهربائى الذى تعرض له معارضو الإخوان.
تولى مرسى منصبه وسط موجة من الأمل وغادره وسط موجة من اليأس. فى يونيو 2012، تدفق الملايين إلى الشوارع للاحتفال بانتصاره الانتخابى، لكن شعورهم بالنشوة سرعان ما تحول إلى شعور بالإحباط ثم الغضب وهم يكتشفون أنه قد تحول إلى دمية فى يد المرشد العام للإخوان. فى نوفمبر 2012، أصدر مرسى إعلانًا يلغى الدستور ويمنح نفسه صلاحيات كاسحة فوق النظام القضائى. كان هذا مساويًّا لانقلاب.
وكما كان الحال مع مبارك، فإنه قد بدأت نهاية حكم مرسى الديكتاتورى فى الشوارع. فى الربيع، أطلق نشطاء شباب حملة أطلقوا عليها «تمرد»، جمعت ملايين التوقيعات على عريضة تسحب الثقة من مرسى، وتطالب بعزله. كانت «تمرد» هى من دعت المصريين إلى النزول إلى الشوارع فى 30 يونيو للتعبير عن عدم رضائهم.
ومع بلوغ مصر حافة حرب أهلية، وقف الجيش إلى جانب إرادة الشعب المصرى، وعزل مرسى وأعلن خارطة طريق لتعديل الدستور وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية.
إن ما يحدث فى مصر يتجاوز حدود الخلاف السياسى. إننا نشهد صراعًا مسلحًا بين الدولة وجماعات إرهابية تحاول إغراق البلد فى شىء أشبه بمستنقع الفوضى فى سوريا. ومن ثم فإن معظم المصريين يؤيدون الجيش فى حربه ضد إرهاب الإخوان. يترك هذا سؤالًا من دون جواب: هل يقترب المصريون بقدر أكبر باتجاه تأسيس ديمقراطية حقيقية؟
لقد صعد عزل الإخوان من السلطة مواجهة بين قوى الثورة وقوى نظام مبارك. ما زال أنصار مبارك يتمتعون ببعض النفوذ داخل الحكومة، وهم يقاومون الإصلاحات فى جهاز الدولة التى مكنتهم من تكديس ثرواتهم.
وفى الآن ذاته، فإن الملايين من الشباب الذين صنعوا الثورة ويغذونها منذ 2011 يطالبون بدستور جديد من شأنه أن يحظر محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية، ويجعل الرئيس خاضعًا لرقابة سلطات مستقلة. هؤلاء يريدون أن يفرضوا نظام ضرائب تصاعدية بشكل أكبر ويقلل من عدم المساواة فى الدخول.
يتبدى هذا التوتر بين الديمقراطيين والحرس القديم فى قضية المذيع التليفزيونى باسم يوسف، جون ستيورات مصر، الذى خصص برنامجه الساخر حلقات كاملة لانتقاد مرسى. تم وقف البرنامج بعد سقوط مرسى، وعاد مؤخرًا، حيث قام باسم يوسف بالسخرية من قائد الجيش، الجنرال عبد الفتاح السيسى. قسمت الحلقة الرأى العام بين أولئك المدافعين عن حق باسم يوسف فى انتقاد المسؤولين الكبار، وما بين مؤيدى الجنرال السيسى من الطبقات الشعبية، الذين اعتبروا السخرية تجاوزت الحدود.
اضطرت القناة التى تنتج البرنامج إلى الاعتذار، وأوقفت عرضه.
ومن بواعث القلق الأخرى بنفس القدر، العقوبة بالسجن لمدة سنة التى أصدرتها محكمة عسكرية بحق الصحفى حاتم أبو النور، الذى أدين بتهمة غامضة هى انتحال شخصية عسكرية.
إن المعركة من أجل مصر يتم إعلانها على جبهتين: واحدة ضد العمليات الإرهابية التى ينفذها أنصار مرسى، والأخرى هى أن تظهر إلى الوجود دولة ديمقراطية حقيقية. لم تفعل ديكتاتورية الشسيد مرسى المنتخبة ديمقراطية أى شىء لدفع هذه الثورة الحقيقية إلى الأمام.